ويندي كارلوس.. العابرة التي أسست للموسيقى الإلكترونية
كتبت: صوفيا شريف
قليل ما يسلط الضوء علي شخصيات من مجتمع العابرين والعابرات، حتى وإن كانوا شخصيات لهم دور وإنجازات، وإن حدث ففي الغالب يتم تسطيح تلك الشخصيات وحصرهم فقط في الجزء المتعلق بالإنجازات المهنية، متجاهلين بذلك تعددية جوانب تلك الشخصية التي تلعب الهوية جزء كبير منها بمختلف تعقيداتها. لذلك من الضروري إعادة التركيز علي هذه الشخصيات من منظور مختلف ليس فقط لرصد إنجازاتهم، لكن لكي نحاول أن نستمد من رحلات حياتهم نوعًا من الإلهام والأمل
من ضمن تلك الشخصيات ويندي كارلوس. هي ملحنة وموسيقية أمريكية وعابرة جنسيًا ولدت بولاية رود آيلاند في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1939 باسم “والتر” لأسرة تنتمي لطبقة العمال. تعتبر مسيرتها في الموسيقى نقلة ثورية في هذا المجال، فهي تعتبر الأم الروحية للموسيقي الإلكترونية الغربية
بدأ اهتمام ويندي بالموسيقي في سن صغيرة، متاثرة في ذلك بأسرتها، فقد كانت أمها تعزف البيانو وتغني، فبدأت بتعلم عزف البيانو وهي في السادسة من عمرها. درست الفيزياء بجامعة براون لكنها لم تتنازل عن شغفها بالموسيقى، فقد درست الموسيقى أيضًا قبل انتقالها الي مدينة نيويورك لتتعمق اكثر في دراستها أكثر وبالأخص التلحين بجامعة كولومبيا
الغريب في مسيرتها هو أن بدايتها كانت نجاحًا كبيرًا فتح أمامها الطريق علي مصراعيه لتحقق إنجازات أكثر وكان ذلك بألبوم “سويتشد أون باخ” عام 1968
في الحقيقة لم يأت هذا النجاح الذي حصلت ويندي علي إثره علي ثلاث جوائز جرامي من فراغ. من خلال هذا الألبوم استطاعت ويندي تحطيم الحاجز بين الموسيقي الكلاسيكية والموسيقي التجارية المركبة. كان هذا نتيجة استخذامها لجهاز موسيقي لم يكن معروفًا حين ذاك وهو جهاز “ال مووج” الذي سمي علي اسم صديق ويندي “روبرت مووج”. كانت تلك الصداقة ملهمة لكليهما، فهي التي جعلت ويندي تستخدم هذا الجهاز الجديد لتحقق أهم نجاحاتها وأثرت علي روبرت أيضا لأن ويندي كانت من أحد العوامل التي دفعته الي العمل على تحسين هذا الجهاز لينتج ويصدر موسيقى قريبة للجمهور ولولا ذلك لظل جهازًا مغمورًا يصدر أصواتا غريبة
استمر إصدار ويندي للألبومات في مختلف الأجناس الموسيقية منها المبني في الأساس على الموسيقى الكلاسيكية ومنها التجريبي والمركب .علامة أخري هامة في مسيرتها هي عملها مع المخرج ستانلي كوبريك الذي شهد نجاح ألبومها الأول فأراد استخدام تلك الموهبة في بعض أعماله السينمائية. نتج عن ذلك أهم ما لحنته ويندي وهي موسيقى أفلام “ذا شيننج” و”ا كلوكوورك اورانج”. لم تكن تلك الأفلام نجاحًا كبيرًا بالنسبة لويندي فقط بل أيضا نقطة هامة في مسيرة كوبريك. وبالرغم من هذا النجاح إلا أن ويندي عبرت عن استيائها حيث أنه تم اقتطاع الموسيقي التي لحنتها ولم يتم استخدامها كاملة
تعتبر ويندي من أوائل الشخصيات العامة التي تفصح عن كونها عابرة جنسيًا وخضوعها لجراحة العبور الجنسي، لكنها بدأت بالفعل بأخذ خطوات في العبور الجنسي قبل هذا الإعلان بعشرة أعوام .هذا أمر طبيعي ومفهوم لأنه ليس من السهل أن يفهم الانسان ذاته ويتصالح معها كما أنه ليس من السهل أن يواجه الآخرين بذلك علي الفور حتي وإن كان شخصية عامة و بالأخص ويندي فهي كانت شخصية مقلة في حواراتها ومقابلاتها، مما يجعله من الصعب أن نعرف أكثرعن تجربتها وحياتها الشخصية كعابرة جنسيًا
على الرغم من ذلك نستطيع أن نرصد من خلال مقابلاتها القليلة نقاط هامة في حياتها كامراة عابرة. فقد علقت علي مشاعرها في مرحلتي الطفولة والمراهقة لتقول “كان لدي إحساس أنني طفلة صغيرة بداخلي . كنت أفضل الشعر الطويل وملابس الفتيات ولم أكن أفهم معاملة أهلي لي كولد لكنني لم أفصح بذلك الإحساس لأي شخص”. لتعكس بذلك تجارب نساء عابرات كثر في بداية حياتهم حيث نمر بمشاعر اغتراب كثيرة تجاه أنفسنا ومحيطنا ولكن لا نستطيع أن نفهم ذلك بشكل واضح في هذه السن المبكرة في أغلب الأحيان . تستمر ويندي في حديثها عن تجربتها فتتطرق إلي مرحلة أكثر اشتباكا و التباسًا و هي مرحلة المراهقة قائلة: “بعد البلوغ أصبح وضعي أشبه بالجحيم. بدأت أن أكون أقرب إلي مظهر الرجال وبدأت أن أكره جسدي بالفعل”
من خلال رصدنا لشخصية ويندي نستطيع أن نلمس التقارب بين تجارب العابرات والعابرين في الشرق والغرب، فبالرغم من وجود اختلافات عديدة، إلا أن الجانب الإنساني والشخصي المتعلق بالهوية و الصراع القائم حولها يكاد يكون متطابقًا. كما نستطيع أن نلحظ تعدد جوانب تلك الشخصية، فبالرغم من صراعاتها الشخصية إلا ان ذلك لم يمنعها من أن تكون ويندي كارلوس التي نعرفها الآن: الأم الروحية للموسيقي الإلكترونية
________________________________________________
صوفيا شريف.. كاتبة وعابرة جنسيًا