الحياة في مجتمع يكره الترانس – الدوامة القاتلة
ترجمة: أمينة محمد
أن تتخلى عنك أسرتك وتفقد أصدقاءك بعد اتخاذك لأهم وأصعب قرار: أن تعيش بجندرك الحقيقي.الآن مآواك الشارع، والتحرشات تطالك من كل اتجاه، مناداتك بأسماء وصفات مهينة، معاناتك للوصول الى المرافق العامة.. وسيل من التعدي اللفظي والجسدي.
حتى لو حالفك الحظ بـ”العبور” دون ملاحظة الناس لك كعابر/ة جنسيًا (وهو أمر نادر الحدوث فأكثر الترانس لا يتمكنون من العبور في عمر مبكر) يتعين عليك إبراز مستندات الهوية خاصتك في كل المؤسسات التي تذهب لها لإجراء أي معاملة، وتحمل نظرات الموظفين الحادة، ببساطة لأنك نفسك ولا تدعي أنك شيئًا لست عليه! ولو حاولت تغيير اسمك في بطاقة الهوية ستصطدم بترسانة مطولة ومعقدة من الإجراءات، فلتغيير اسمك وخانة الجنس يتوجب عليك إجراء جراحة، ولا يمكن إجراء الجراحة بدون أموال، ولا يمكن توفير المال بدون الدعم الأسري لا سيما أنه لا أحد سيقبل توظيفك كونك عابر/ة جنسيًا: فبعكس الأقليات المهمشة الأخرى التي يشكل دعم المقربين أمراً حيويا لبقاءها واستمراريتها، والتي يتآزر أفرادها لتوفيره لبعضهم البعض، ينتفي هذا الدعم للترانس نتيجة للنبذ والعزلة المفروضة عليهم حتى من أقرب المقربين. ستجد نفسك في نهاية المطاف مشرداً وبلا مصدر رزق .ويزداد الأمر سوءاً بملاحقة الشرطة والأمن خصوصا للنساء العابرات في مرحلة التعايش فغالباً ما يتم إيداعهن السجون في الحبس الانفرادي
بالنسبة للإعلام فهو في أغلبه لا يتناول قضايا العابرين بدقة وموضوعية، هو يتناولها فقط باعتبارها أمرًا غريبًا، “عرض مشوق لمخلوقات غريبة”، وكأنه سيركًا وليس إعلامًا
كعابر/ة جنسيًا تتنوع أشكال التمييز ومصادره، فقد يصدر من الغرباء أو حتى أفراد الأسرة المقربين سواء عمدًا أو بدون قصد، بوعي أو بلا وعي. كمثال، كاتبة السطور إمرأة عابرة جنسياً تعرضت لكافة أشكال التمييز بدءاً من الرجال المغايرين الذين دوما ما ينظرون إليها (كمخادع) ، والنساء المغايرات اللاتي ينظرن إليها كرجل يحاول اقتحام مساحاتهن الخاصة، وحتى التمييز من مجتمع المثليين الذين ينظرون للعابرين جنسياً كـ”مآفورين” أو كنسخة مبالغ فيها من المثليين، أو حتى كمرضى عقليًا، معيدين بذلك إنتاج ذات اللغة التي استعملت لوصمهم من قبل
وفوق كل ما ذُكر، على الترانس التعامل مع إحساسه بالضآلة وانعدام الثقة وتقدير الذات، فطوال سني حياته يكرر على مسامعه “إنت غلط” وكل رسائل الكراهية والتحقير تلك التي يستبطنها بداخله
هل أصابك الإحباط من كم المشاكل المعقدة التي ذكرتها؟ تخيل أنك تعيش كل هذا واقعاً! فلا تستبعد أن نقع في دوامة اليأس القاتل! وعلى شفا الانتحار نحاول يائسين طلب المساعدة المتخصصة ، وهي لا تنفك تعيد على مسامعنا أدبيات الانتحار المعتادة من منظور بعيد كل البعد عن تجربتنا نحن كترانس، غاضة الطرف ومتعامية عن حقيقة الترانسفوبيا المستشرية التي تحيل حياتنا جحيمًا لا يطاق
يتهدد الانتحار مجتمع الترانس من كل الأعمار والفئات بنسب عالية تفوق كثيراً بقية المجتمع حسب بعض الإحصائيات. وفي حين تنخفض نسبة الانتحار وسط المثليين والمثليات بالتقدم في العمر، تظل ثابتة على ما هي عليه بالنسبة للعابرين/ات جنسياً. وفي حين ان أساليب مكافحة الانتحار تركز على الصحة العقلية الفردية ، يعاني الترانس من مشاكل طارئة مستمرة لا تزول بتلقي الاستشارة الطبية ، مثل: التمييز في التوظيف، الإسكان، التعليم ونظام العدالة. ونكرر أن التمييز يصدر من الجميع رجالاً ونساءً، من بقية أفراد مجتمع الميم ومن الأسرة والأصدقاء
تعرف الكاتبة العديد من العابرين/ات الذين يكابدون الكثير من هذه العوائق في وحدة، بلا دعم كافي. وبالتقدم في مشوار العبور يندر وجود الأقران العابرين/ات المتمرسين ذوي التجربة المستعدين لمد يد العون، وحتى القليل المتاح يتراجع للحفاظ على سلامه النفسي، نسبة لأن هذه الضغوطات دوامة لا نهائية!
الخلاصة سيظل الانتحار هاجساَ يحصد أرواح الترانس طالما لا تتخذ الدولة والمجتمع خطوات فعلية للقضاء على الترانسفوبيا المستشرية- هي دعوة: لننشر التسامح والحب لكي نحيا في سلام
____________________________
أمينة محمد… مترجمة وعابرة جنسيًا