العبور الجنسي بين التجربة الذاتية والقولبة المجتمعية
كتبت: صوفيا شريف
دائمًا ما كانت التساؤلات تدور ببالي، تلك المتعلقة بي كإنسان في المقام الأول وكعابرة جنسيًا في المقام الثاني . لا اعتقد أنني قد توصلت لإجابات قطعية بعد، لكن علي الأقل أصبحت رؤيتي أفضل من ذي قبل. أصبحت أدرك تماما أن على شخص ينتمي لأقلية ما في المجتمع، سواء كانت عرقية أو جنسية أو دينية، أن يسلك دربًا طويلًا ليفهم موقف المجتمع منه وموقفه هو من المجتمع، من ثم يبدأ في البحث عن أدوات تساعده على البقاء والمقاومة بل والاستمتاع بالحياة أيضًا قدر المستطاع. أحد تلك التساؤلات يدور حول تجاربنا كعابرات وعابرين جنسيًا في مجتمعاتنا، وحول طبيعة تلك التجارب . هل هي تجارب شخصية بحتة؟ أم تجارب جمعية مشتركة تحمل طابعًا سياسيًا ما؟ وكيف نستطيع أن نفهمها و نتعامل معها ؟ في الآتي استعراض لبعض الأفكار المتشابكة التي أحاول فض اشتباكها عسى أن أصل إلى إجابات لتلك الأسئلة
مما لا شك فيه أن تجاربنا كعابرين وعابرات تحمل جانبًا شخصيًا مكثفًا ، فكل منا لديه رحلته التي خاضها بنفسه ليصل إلي ما هو عليه الآن أو على الأقل لا يزال يحاول أن يجد طريقًا لنفسه. تبدأ تلك الرحلة منذ اكتشاف الشخص لذاته ، وقد تمتد جذورها إلى مرحلة الطفولة بما تحمله من اشتباكات مع الأهل والمحيط الذي يعيش فيه الإنسان . لا تخلو تلك الرحلة من الصراعات الداخلية حتي في بدايتها وكأننا ولدنا لكي نسلك طريقا شاقًا لنصل إلى ما نريد. لكن ماذا نريد نحن ؟ تبدأ تلك الرحلة عند الكثيرين بالكثير من الضبابية وعدم الوضوح. علي سبيل المثال شعور الشخص بالاغتراب وعدم الارتياح للطريقة التي يتعايش بها والطريقة التي يراه بها الآخرين ، لكن لا توجد عنده رؤية واضحة لما يريد. وفي نفس الوقت هناك آخرين يكونون على دراية واضحة منذ البداية أنهم ينتمون إلى الجندر المعاكس. لا يقف التنوع والتعدد في التجارب في المراحل المبكرة فقط بل يمتد أحيانًا إلى مراحل متأخرة من حياة الشخص ، فنجد من عاش فترة من حياته ظنًا منه أنه مثلي و من عاش تلك الفترة كمغاير، مما يفرض موضوعا جدليا كبيرًا وهو تنوع واختلاف الميول الجنسية لدي العابرين و العابرات. وقد بات من الواضح لي الآن أن هناك تنوع كبير في تجارب كل عابر أو عابرة، فلا نستطيع أن نعمم تجربة ما وفرضها على أساس أنها التجربة الموحدة أو التجربة الوحيدة المقبولة أو “الصحيحة” . تختلف الأهداف والأولويات التي يضعها كل إنسان لنفسه ، وتختلف كذلك ظروف ومحيط وشخصية كل فرد ، فهناك من يبدأ رحلة العبور الجنسي مبكرًا وهناك من يضطر لسبب أو لاخر أن يؤجلها لفترة متأخرة، وهناك من يتأخر كذلك في فهم أو تقبل ذاته. ولذلك فاستيعابنا لخصوصية تلك التجارب يعطيها العمق والمعنى الجدير بها إلى جانب أنه يعطي كل شخص أحقية امتلاك تجربته الشخصية كملكية خاصة، ليس من حق أحد أن يحكم عليها
أحيانا ما كنت أقول لنفسي أنني لست فقط عابرة، وأنني لا يجب أن أحصر نفسي في هوية واحدة، مهما كانت هامة و محورية بالنسبة إليّ . تبدو تلك الفكرة جميلة وملهمة لكن سرعان ما تصطدم بفكر المجتمع والقولبة المجتمعية . حتي وإن رفضت قولبة نفسي سيتم قولبتي بناءًا على هويتي. بالتأكيد هناك الطبيب العابر والأستاذ العابر أو العابرة لكن في ظل المجتمع مهما كانت انجازات الشخص وطموحاته سيتم تصنيفه بناءًاعلى هويته فقط فيظل مستنكرًا وغريبًا ومنبوذًا . هنا بدأت أن افهم أنني لابد وأن اأظر من منظور مختلف قليلًا . نعم لازلت احترم شخصية وخصوصية تجاربنا كعابرين وعابرات ، لكن هل هي شخصية فقط أم أنني كنت أنظر من منظور ضيق؟. الكثير من تجاربنا مشتركة فنحن نتعرض لأشكال متقاربة جدًا من التمييز بل والعنف أحيانًا من قبل المجتمع، فقط لكوننا عابرات وعابرين . نواجه مشاكل متماثلة مع الأهل والأقارب والعمل و الدراسة، حتي وإن اختلفت قليلًا كل حسب مرجعيته ومحيطه ، لكن ما أريد أن أقوله هو أنه لا يوجد من هو بمأمن من هذه القولبة المجتمعية التي تصب في مجرى الكراهية والتمييز والاستنكار . كلنا نعاني من ذلك ، و لذلك رأيت أن تجاربنا في ظل هذا المجتمع يجب أن تدعم بشئ من التشابك والتضامن، ليس فقط لتبادل الخبرات -وإن كان هذا دورًا محوريًا- بل أيضًا للضغط على المجتمع من حولنا لتقبلنا
ما أراه الآن هو ضرورة النظر من كلا المنظورين لفهم واستيعاب تجاربنا كعابرين وعابرات بشكل شامل وليس مجتزأ . يجب أن نحترم خصوصية وتفرد كل تجربة، لخلق بيئة صحية أكثر فيكتشف كل فرد ذاته دون الخوف من الاختلاف عن المجموعة و دون التردد في مشاركة تجاربه. أيضًا من المهم أن نستوعب نوعية التمييز الذي نتعرض له بشكل جمعي ومشترك فلا يوجد أحد في مأمن من هذة القولبة المجتمعية والتمييز الذي يتبعها فيستولي على الكثير من إنسانيتنا
__________________________________
صوفيا شريف… كاتبة وعابرة جنسيًا
أعجبني النص فقد تهت بين أحرفه محاولا إستكناه مضمونه.. رغم عدم وضوح بعض مفاهيمه…لكن النص الذي يقدم أسئلة أفضل بكثير من نص يقدم إجابات…