ترانسات Transat

الجندر جندرنا

قضايا وأخبار تقارير وترجمات

أن يكون ابنك فتاة “القصة كاملة”

كتبت: جين ماريون – ترجمة: آيفي ناصر

اعتقدت أنه سوف يكون مثل أى حوار آخر: “أمى هنالك شىء أريد أن أتحدث معك فيه”. افترضت أنه ربما يريد شراء لعبة فيديو جيم جديدة، أو ربما يريد إخبارى بشىء مثير للاهتمام حدث فى مدرسته، لكن هذا لم يكن ما قاله، عوضا عن ذلك ما قاله كان: “أمي اعتقد أننى أريد أن أكون فتاة”

حدقت فيه، وبدأ عقلى يدور فى دوامة من مئات الأسئلة، كلها تريد الخروج فى وقت واحد. أجبرت وجهى على أن يبقى هادئًا و بدأت أسئلهم واحدًا تلو الآخر، “متى بدأت تفكر فى هذا؟” أردت أن أكن متأكدة من أن أسئلتى لم تكن تصدر مني كأنها ذات حكم مسبق، حتى يشعر بالارتياح وهو يتحدث معي

“على مدار سبع سنوات، فى الشهر السابق اشتريت بعض الملابس والتقطت بعض الصور” بدأ عقلى يتساءل إن كان ربما يخلط ما بين العبور الجندري وحب ارتداء ملابس النساء! ارتدت أن أتاكد فسألته: “هل تكلمت فى هذا مع طبيبك النفسى؟ قال “لا”. أنت أول شخص أخبره

التساؤلات فى عقلى كانت خليط من القلق والفضول… كيف سيحصل على وظيفة؟ كيف سيذهب خارج المنزل مرتديًا ملابس الفتيات؟ وكيف سيتعامل مع ردود الفعل؟ كيف سينجب الأطفال. بدأت بالشعور بالخوف عليه، حاولت أن أتخيل مستقبله، فلم تكن التخيلات مبشرة، كل ما كنت أراه تعقيدات وعقبات سوف يكون عليه أن يتخطاها. تكلمنا لساعة أو أكثر، وتوقفنا عند نقطة “سوف نتكلم فى هذا لاحقا”

لم اقدر على تخبئة الخبر، فقلت لوالده وإخوته..” تفاجئت قليلًا حينما أخذ اقرب إخوته اليه رحلة طولها ست ساعات من حيث يقيم فقط لكي يتكلم معه، أراد إخباره بأنه يسانده ويدعمه، وأنه لا يزال يحبه.. أعني.. يحبها.. هى.. بدأ تغيير الضمائر، وكان الأمر صعبًا علي فهي كانت لا تزال تبدو كهو. أعنى هو ابنى الأول من ثلاثه، لكنه الآن صار ابنتى، أعنى صارت ابنتى. ورغم أن الأمر كان مشوشًا بالنسبة إلي إلا أنه كان  يبدو أسهل على إخوته وأصدقاؤه أن يتقبلوه. التقبل!.. لا التقبل ليس الكلمة المناسبة، فقد تقبلته من الوهلة الأولى. تغيير طريقة تفكيري والكلمات بعقلى ونظرتي إليه، ذلك أكثر دقة. فقد تقبلته منذ الوهلة الأولى.. أعني.. تقبلتها.. تقبلتها منذ الوهلة الأولى

كان بعقلى كل تلك الذكريات، ولادته طبعا، طفولته، ألعابه المفضله، أفلامه المفضله، أصدقاءه المفضلين، كل ذلك كان ذكورى التوجه. لم تكن هناك أى دلالة فى أى وقت أن الأمور لم تكن كما بدت. والده كان قصة مختلفه، لم يكن الأمر أنه غير متقبل، بل كان في الواقع غير مقتنع. فابنى كان لديه تاريخ مليء بالنزوات، أفكار جديدة، متابعتها بحماس، ومن ثم تركها كأنها لم تكن، كأنها لم تكن تعنى أى شىء، كيف كان لنا أن نعلم أن هذه ليست نزوة من نزواته. وبدأت في التفكير: هل من الممكن أن تكون مجرد نزوة عابرة؟!

رانى الملابس التى اشتراها، أعنى أرتنى .. أرتني.. هى.. هى.. فأخبرتها أن المقاسات خاطئة، وشرحت لها كيف تكون مقاسات ملابس السيدات. ثم قلت لها “هيا نذهب للتسوق” أى أم لا تريد التسوق مع ابنتها؟! ذهبنا و حاولنا أن نجد المقاس المناسب، الشكل المناسب، لم يعجبها أى شىء اخترته، كانوا أنثويين جدًا، لم تعجبها الورود أو الملابس الحريرية أو المطرزة. حسنا ماذا تعنين؟ – لا أريد ان يكون شكلى مزيفًا، لا أريد أن أبدو كعاهرة، أريد أن أشعر بالراحة، كنفسي

قضينا أيام عديدة فى غرف القياس، فى البحث عن حمالة صدر، ذات مقاس مناسب، ليست كبيرة جدًا و ليست صغيره جدًا، أو بناطيل تخفى “ما تحتاج لاخفائه” وتكون مريحة فى نفس الوقت، لكن الأصعب كان البحث عن تشيرتات ليست ذكورية، وليست أنثوية جدًا. ثم شعرت بأننا نركز على الخارج لأن ما بالداخل كان لا يزال غير معلوم

أتتني ذات ليلة مرتدية ملابسها الجديدة، كانت قد تركت شعرها ينمو لمدة سنة أيضًا، اعتقدت قبل أن أعلم أنه أراد أن يبدو كهيبى. أراتدت أن تذهب إلى مطعم وربما تتمشى وتتفقد المحال. انقبضت معدتى، هذه كانت أول مرة لها خارج للمنزل كفتاة وحدها. ماذا إن حدث شىء سيء؟ ماذا إن حاول أحد أذيتها. جلست فى المنزل انتظر عودتها بتوتر وقلق. تناولت طعامها في أحد المطاعم، قالت أنها كان بمقدورها سماع النادلة وهى تضحك عليها بالخلف. أشتط غضبًا، وقلقت. “كيف جعلك ذلك تشعرين” قلقت من أن يحبطها ذلك. لكن لم يفعل لحسن الحظ و قالت أنها لم تهتم. أردت أن أحميها، لكن لم أستطع. بكل خطوة كانت تخطوها تجاه حياتها الجديدة كانت تبتعد بها عن حياتها القديمة.

وكان قد حان الوقت لاختيار اسم، قمت بطباعة قائمة بأسامي الفتيات الشهيرة، وبدءنا بحرف الـ…، وحوالى خمس اسماء، تقول: “ذاك! .. ذاك! احببت ذاك!” … لكن ماذا عن الـ.. و ال.. ؟ لا يمكنك أن تنظري إلى خمسة اسماء فقط لتختارى اسمًا عشوائيًا. هذا قرار مهم! احتجت شهورا لاختيار اسمك! “لكن .. أنا أحببت ذلك الاسم.. أريدك ان تنادينى به من الآن فصاعدًا”

تكلمت مع طبيبها النفسى فى هذا الموضوع، لكنها كانت تشعر أنه لم يكن متحمسًا للفكرة. فقلت علينا أن نجد طبيبًا نفسيًا مختص بحالات العبور الجندري. أخذ ذلك بعض الوقت، فنحن لم نكن نعيش فى مدينة كبيرة، لكن فى النهائية وجدنا واحدة ، وكان هناك فرق كبير، كانت ملمة بكل الأمور التى ستواجهها اجتماعيًا و جسديًا. بضع شهور مرت مع طبيبتها، ثم بدأت العلاج الهرموني

قررنا أن نبدأ مدونة يومية، بداية باليوم الاول لأخذ الهرمونات (رحلة من ذكر الى انثى) ، كان هناك أول يوم، ثانى يوم، ثالث يوم، الأسبوع الاول، الأسبوع الثانى، الشهر الاول.. بدأ الوقت يمر بسرعة، بدء ثدييان صغيران بالنمو، و بدأت شخصيتها بالتغير، بدأنا نقترب من بعض أكثر، لدى ابنة…. يا إلهي أنا لدى ابنة

كان شعرها قد هذب وحدد، وحدد أيضا حاجبيها، وأزيل شعر قدميها، من ثم بدأ علاج إزالة الشعر، تدريبات الصوت كانت قد بدأت أيضًا، كانت عملية طويلة ومستمرة، بدت وكأنها لن تنتهي، كل شىء جديد كان خطوة تجاه من أرادت أن تكون

إحدى مخاوفى، كان ما سيحدث حين محاولتها الحصول على وظيفة. مقابلات العمل الخاص بوظائف وقت كامل انتهت جميعًا بالرفض. كان شكلها في الغالب لا يزال كهو. كان واضح أن بعض الوظائف من مستحيل وجود فرصة لها بها. فى هذة المدينة على الاقل. لكن كانت لا تزال هناك الدراسة، ارتدت زيها المفضل و ذهبت كما كانت تذهب دائمًا، زملائها لم يقوموا بالتحديق والسخرية منها. طلبت من معلمها أن يستخدم الضمائر الأنثوية واسمها الجديد، فقال “طبعا، لم لا” . شىء مريح

كل عقبة صغيرة أمامنا، كان من الممكن أن تصبح عائقًا انتهت نهاية ايجابية. فى العلاج النفسى الجماعى مع ثماني عابرات جندريًا أخرييات أجمعوا كلهم أنها بإمكانها أن تظهر كفتاة تمامًا بدون مشاكل. فقد كان طولها خمسة أقدام فقط، قصير لرجل، لكن مناسب لامرأة ، وزنها ١١٠ رطل فقط، نحيف جدا لرجل، لكن أيضًا مناسب لامرأة، الثدييان كانا لا يزالان صغيرين، لكن مناسبين لجسمها. أجمع الكل على أنها كانت محظوظة فبعضهن كانوا أطول من ستة أقدام

وكان قد حان الوقت لتغيير الاسم قانونيًا، احتاجت لأوراق من طبيبتها النفسية حتى ترى طبيبًا من لأجل العلاج الهرمونى، واحتاجت للتوقيع على أوراق عند الطبيب حتى تملأ طلب تغيير الاسم. استغرق الأمر حوالي شهر من ثم موعد بالمحكمة. كان فى يوم ميلادها. مناسب جدا

مرت سنة و كنت لا ازال أواجه المشاكل مع الضمائر، حينما كنت أتكلم عنها بالماضى، كنت استخدم اسمها و ضمائرها القديمة، أخبرتها أننى أعلم أن ذلك يزعجها، لكن هذا كان من كانت هي فى السابق، لم ترد أن ترى أى صور لها سابقا، شعرت أنى خسرت ابنا، لم ترد أن تسمع قصصًا عنه وعن ماذا فعل وقال، بدأ وكأنها أرادت محو ذلك الجزء من حياتها

!لكن انتظري، ذلك كان ابني! أحببته وربيته، وأنت تريدينه أن يمحى! هكذا! كأنه لم يكن.  فقالت: “أنت لا تفهمين، كل مرة كنت انظر فيها للمرآه كنت أكره الشخص الذى كان أمامى. لا أريد أن أرى ذلك الشخص مجددً”ا. لكن كيف لهذا أن يكون؟!،  هنالك العديد من الذكريات السعيدة رغم كل شئ، ذكريات من طفولتك و فترة مراهقتك. “اعلم وأتذكر، لكن أنا الآن من اريد أن أكون، و لا اريد العودة لما سبق أبدًا.”

 الهرمونات عنت أنها لن يكون لها أطفال بيولوجيين أبدًا، تكلمت معها فى هذا الموضوع لكنها أصرت أنها لا تريد أطفالًا. طوال حياتى تصورت وجود أحفاد لى فى المستقبل، لكن الأن كان على تقبل أنه لن يكون هنالك أحفاد، منها على الأقل. اقتنعت أن هذا للأفضل، حياتها ستكون مليئة بعقبات كافية دون أطفال.

فى يوم ما، قررنا أن نذهب للغداء خارخ المنزل. تمشينا الى داخل المطعم، و النادلة قالت لنا “من هنا سيداتى”، نظرت ابنتى إليّ و عيناها مضيئتان “قالت عنى سيدتى”، كانت تلك أول مرة أى شخص خارج دوائرنا يقوم باستخدام الضمائر الأنثوية  معها، كانت سعيدة جدًا و ابتسامتها كانت مشرقة، كان ذلك حتى جاء وقت طلب الطعام، صوتها الخشن.. و النظرة على وجه النادلة، احست بالتحطم، اخذت يدها و ضغطت عليها، “هذا ليس بالمهم،ستحصلين على تلك النظرات دوما، لكن ما يعتقدونه ليس مهم.” كانت سعيدة بمنادتها “سيدتي” برغم ذلك.

تغيير الاسم القانونى تم، من ثم كان الوقت قد جاء للجزء الأصعب: تغيير الاسم فى التأمين الصحى، رخصة القيادة، الضمان الاجتماعى، بطاقة الهوية الخاصة بالمدرسة، مرارًا و تكرارًا..، أشياء ننتظرها، نحتاج الواحد لنحصل على الأخر، و الأثنان لنحصل على الثالث، كل البطاقات الجديدة فى المحفظة … ، من ثم بدأ ألم المعدة، ألم سئ جدًا، و قد حان وقت الذهاب إلى المشفى، بطاقة الهوية الجديدة و بطاقة التأمين الصحى كانوا معنا و كل شئ كان قد تم، لكن فى غرفة المشفى أصرت الممرضة أن تدرج فى القاءمة كهو، لاغراض تابعة للتحاليل، أصرت أن الارقام سوف تكون مختلفة فى تحليل الدم، قبلت ابنتى بهذا، طبعا بغضب و قلق  و بكاء مصاحبين لذلك..

حصلت أخيرًا على وظيفة، وظيفه لم يهم فيها أن كانت هو ام هى، .. راتب.. يا لها من شئ سحرى، بعد بضعة شهور، ذهبت للسكن هى وصديقتها معا، اصبحت بالغة، تقبلها للأصدقاء و تقبلتها العائلة، احتجت لسنتان لأتوقف عن قول هو عن خطأ، الأن يحدث ذلك مرة كل شهر و يكون فعلا عن غير وعى.

بدءت هرمون ثالث، يجعلها تتصرف كأن لديها أعراض ما قبل الدوره الشهرية، و صرنا نتجادل تماما كما كنت اتجادل مع أمى، الأن أعلم أن لدي أبنة، كنا نتجادل على أتفه الأشياء.

لم أكن متأكدة فى البداية عما إذا كان زوجى يوافق و يساند ما يحدث أم لا، لم يقل أى شئ و لم يعلق عندما كانت ترتدى ملابس الفتيات، لكن فى مرة، كان لديه صديق أراد أن “يساعد” ، استحضر موضوع محاولة تغييرها و أعادتها لما كانت فى السابق، فأشتاط غضبًا: “إنها ابنتى، أحبها كما أحببتها دومًا، هى لا تحتاج للتغير… كيف أستجرأ!. كنت فخورة جدًا به، كان لا يزال يناديها “يا أنسة” عوضا عن اسمها الجديد، لكنه كان مستعدًا للدفاع عنها، و كان أيضا مستعدًا لأخبار عمله و التأمين عن تغيير الأسم، و كان مستعدًا لمساعدتها فى أى شئ تريد.

كيف كان هذا، كان كقنبلة انفجرت، كانت مفاجئة كبيرة، لكنها لم تسبب دمار، مربكة بالطبع، لكن هنالك الكثير من الوقت لفهم كل شئ، صحيح أنى خسرت ابنى، و لن يعود أبدًا، لكنى كسبت ابنة جميلة، تحبنى تماما كما أحبها.

 

_______________________________________

جين ماريون… كاتبة معنية بقضايا الجندر

آيفي ناصر… مترجمة وعابرة جنسيًا

 

تعليقان

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: