ترانسات Transat

الجندر جندرنا

تجليات عابرة

مخنث!!

كتبـ/ـت: ناد سلام

 

قالوا لي أنت الآن رجل، وعليك أن تفعل كما يفعل الرجال، وماذا يفعلون؟ جدتي قالت أنهم لا يرقصون. وأبي قال لا يلعبون مع الفتيات. حتى أن أمي صرحت ذات مرة أنها تفضل رؤية ابنائها يدهسون تحت شاحنة، على أن يكون أحدهم من المخنثين. وصرخ كل العالم فى ذلك اليوم “ترجّل!” مخنث كلمة كانت تتردد على ألسنة الطلاب والمدرسين. كلمة تتفشى فى الشارع حولي كالوباء. أسمعها أكثر من إلقاء السلام. فتصيب قلبي الهدف المكشوف لكل القناصة. لم أفهم هويتي إلا من خلال بذاءة الحواري وتشققات البيوت. أردت أن أجد موطني، هل تعني “الرجولة” أن أكون تعيسًا؟ أن يمنع عني كل الحب؟ بقيت هاربًا مني إلى أن أصبح الصيادين والطرائد رصاصة فى عنق البندقية. وحين تقاطع طريقي مع مخاوفي قررت أن أكون أنا

كنت قد سرقت بعض مكياج والدتي. أغلقت باب الغرفة وركضت إلى المرآة. وعدت لأتأكد من أن الباب مغلق بإحكام. أخرجت أصبع أحمر الشفاة المخبأ. مررته على شفتاي بسرعة مشبعة بالخوف، كلص يتسلل خارج وكر الشرطة. ظننت أن أحدهم يناديني فمسحته سريعًا. كان بريقه الأحمر على وجهي كبركة دماء وسط صحراء، تتقاذف رمالها شدة الرياح الساخنة. لون فاقع طغى على التربة المشبعة بحنطية الشمس. ولأول مرة بعد سنوات عديدة رأيت كابوسًا كنت ظننت أنه انتهى. ومع زوال الحمرة ساد الرمادي على كل شيء. أصبحت الغرفة الصغيرة زنزانة، جدرانها كل ما يحيط بي. وانحنت الظلال تهمهم فى أذني بصوت كل من قالوا لي “ترجل!”. وبنبرة ديسفورية همست لي عن قبحي وكيف أنني لن أصبح يومًا ما بالجمال أو بالأنوثة الكافية قالت لي ذقنك عريضة، ورأسك كبيرة، وظهرك مقوس، ورغم شفتاك الممتلئة هناك شارب فوقها، وشعيرات لحية شائكة تخترق كل مساحيق التجميل. نظرت للمرآة وكانت تحاكمني هل هذا انعكاسي أم انعكاس الظلال خلفي؟ أعدت أحمر الشفاة إلى مكانه، وعدت من جديد بوجهٍ لا أملكه وأعين من زجاج، تعكس كل الأحكام المسبقة والصور النمطية فى أعين الناس، فيظهر العالم من زاوية شبه عمياء.  لم أعد قادرة على أن أراني بعد الآن إلا من خلال بؤبؤ المجتمع. لم أعد أفهم هويتي غير أنها شتيمة. ينعت الجميع بعضهم البعض بها. فتكثر الخطوط التي لا نتجاوزها. ويمتلئ الكون حدودًا بلا بلدان. فقط أسوار خلفها أسوار

وبين معابد الإسمنت ذات مرة، صادفت فتاة عابرة جندريًا تدعى زهرة، رقيقة جدًا، علمتني كيف أبصر من جديد، لم يغلبها هذا السور الكبير أبدًا، رأت الكثير حتى امتنعت عن النظر. وكطفل يتعلم المشي رغبت فى الطيران معها. هي أسرتي وطني وكفاحي، ترتيلة وسط الضجيج، كانت هي الملاذ. وككل بنات الزنزانة حلمنا معًا بالحرية. فننظر إلى هذا الشق فى الواقع الذي يدعى أملًا، وتتسرب أحلامنا من خلاله تعانق قضبان القفص. فتنصهر دفئًا، أنا وزهرة، ثورة على هذه الأرض القاحلة، تنمو كلما سقتها الصحراء تعاسة، وتتفح مهما زحفت الكثبان، ساقها عصيان، وأوراقها ضمًا

قطفت صديقتي من البستان ورحلت. ومازلت أنا من تحتي التربة الملحية، وفوقي موسم الحصاد. سافرت الرفيقة وبقيت فى مواجهة الخريف وحدي. تيبس أوراقي. أصبحت الأشواك التي تزين عنقي خناجرًا، تخترقه هذه الصحوة الملوثة بالألم الذي يتبع التغيير. ملأت رئتاي بالهواء إلى حد الانفجار. تدفقت روحي من كل الجروح الخامدة. ولم تعد تحتويني قوالب الرجال والنساء المكدسة فى صناديق مغلقة. ولا حتى جندر

____________________________

 ناد سلام… كاتبـ/ـة وعابر/ة غير منتميـ/ـة للثنائية الجندرية

تعليق واحد

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: