شرطي المواصفات الجندرية
كتبـ/ـت: خوخة ماكوير
تحرير: مهى محمد
علاقتي بلحيتي تتعدى حيّز الرابط العضوي والحميمي القائم حصرًا بيني وبين جسمي، أنا ولحيتي مجموعة قصص متواترة لا أعيشها فقط مع نفسي أو فقط مع جسمي، إنما يعيشها معي كذلك الوسط المحيط بي
قبل أن أعلن عن هويّتي وانتماءاتي الجندرية وقبل أن أصرّح عن مواقفي من السياسات الجندرية المهيمنة، كنت أتلقّى نوعية من التعليقات التقليدية والمتداولة حول مظهر اللّحية، تعاليق من قبيل
“خفف لحيتك”، “هذّبها”، “أطلقها”، “قصّها” … و بالرغم من إنّني عادة أو في أغلب الأحيان لا أطلب رأي الناس في شكلي أو في لحيتي إلا أنّي كنت أتقبّل هذه الملاحظات التقليدية العامة ولو على مضض
من جهة أخرى، لطالما كنت أعي تماما أن إسقاطاتنا لأذواقنا الشخصية على أجساد الغير يمكن أن تأخذ منعطفات سلوكية غير صحيّة من قبيل فرض الرقابة وممارسة السلطة على أجسادهم .ومع وعيي التام بحقنا الكامل في امتلاك أجسادنا وحرية اختيارنا لتعابيرنا وصفاتنا الجسمانية إلاّ أنّ حساسيّتي من التعليقات ذات البعد الجمالي/الإستيتيقي بخصوص لحيتي لم تكن مفرطة لدرجة تجعلني أشعر من قبل بالحاجة للتعبير كتابةً عن الموضوع.
منذ عام تقريبا أصبحت أُعايش و أُلامس مستوى آخر من التعليقات -دائما في ما يخصّ علاقتي بلحيتي- مستوى أوسع من الهاجس أو الهوس الإستيتيقي الثقافي الذي كانت تتضمّنه التعليقات السابقة، فبمجرد احتضاني المعلن لأدوار جندرية نسائية بأبعاد وتوجهات نسوية أصبح الهاجس الرقابي على جسمي متشعب الأبعاد و المرجعيات ليضم الجندري و السيّاسي و الثقافي و الإجتماعي و الإستيتيقي و غيره في آن واحد
من ضمن قائمة التعليقات الجديدة التي أصبحت تحاول ممارسة الضبط أو التقنين الجندري على جسمي و لحيتي يتأتّى و يتردد هذا التعليق البسيط و المباشر
– إذا كنتي حقًا امرأه لمَا تبقين إذن على لحيتك؟
والاستفهام كان من ألطف الصياغات اللّي كان يتواتر بها هذا النوع من التعليق، حيث يتمادى أحياناً البعض في صياغته لنفس محتوى التعليق في شكل أمر أو إستهزاء أو سخرية أو حتّى في صيغة تهكّم أو تحقير
أكثر أمر جذب تنتباهي في ظاهرة القمع الجندري التي أختَبِرُها ككائن ملتحي يضطلع بأدوار وهويّة و تعابير جندرية أنثوية/نسائية (بعيدًا عن السلطة التي تُمارس على أجسادنا وشُرطة الجندر التي تراقب تمظهراتنا و تترصد لنا) هي فئة جديدة من المترصدّين، فئة كانت هي الأبعد في مخيّلتي عن شبهة الاضطلاع بدور “شرطي المواصفات الجندرية”
حيث اعتدت من الناس البسطاء المتشبعين والمتشبثّين بالفكر النمطي، الذين صنعت أراؤهم و شكلت منظورهم وأنتجت فكرهم وأحكامهم المعايير المتحجرة، الذين إحتكرت خياراتهم الثنائيات القطبية، و اختزلت القولبة نظرتهم للجندرفي ثنائية إمرأة ورجل، ثنائية الناعم و الخشن، إعتدت من هؤلاء الناس البسطاء هذا النوع من التعليقات وغيرها من السلوكيات القمعية الناتجة بالأساس عن جهل أو قلّة وعي
الذي لم يعتده فكري إلى حدّ الآن، تعليق واحد مازال يبدو في إعتباري غريبًا، غريب من حيث مأتاه -أولا- و من حيث بعض نواياه، كما هو غريب من حيث المحتوى، تعليق يعتبر بمثابة تجسيد للقمع الجندري الذي يُمارس ضد العابرات اللاثنائيات والذي يحمل في جوهره إتهام للعابرات اللاثنائيات بإبقاءهن على خصائص جسمانية ذكرية لغرض التمتع بالامتيازات الذكورية، كالامتياز الذكوري الذي يمكن أن تمنحه اللّحية على سبيل المثال
فجأة وجدت نفسي و لأول مرة في صراع بين لاثنائيتي الجندرية وبين نسويّتي، بين حربي النسويّة لتعرية الامتياز الذكوري وبين حقّي في تقرير العرض الجندري الذي يمثلني والذي فيه ارتاح، ولأول مرّة أجد نفسي في مواجهة قمع جندري بتوظيف “نظري”
عندما وُجّهت لي أصابع الإتهام باستفادتي من لحيتي كأداة ذكورية، جعلتني هذه الحجّة أضع للمرة الأولى نسويّتي على طاولة التشريح، فتسائلت
– أيّة نظرية نسوية/جندرية مناهضة للقمع هي التي تستثني في بحثها عن القاعدة العامة التجارب الجندرية اللاثنائية التي كانت و لازال يراد لها ان تبقى مهمشة؟
لا شكّ في أنّ اللحية هي من إحدى مكونات المظهر النمطي الذكوري، ولا ننكر أنها تحمل في بعدها الرمزي امتيازات الذكورة كما يمكن أن تكرّسها أو تساهم في تفعيلها، لكن على بعض النسويّات أن لا تنسى كذلك أن تلك النظريات التي صيغت عن الإمتيازات الذكورية، صيغت بالأساس من منطلق علاقات الهيمنة و السلطة القائمة بين النساء والرجال منسجمي الجنس والجندر “سيسجندر””
إن نظرية الامتيازات المسقطة اسقاطا على علاقة النساء العابرات اللاثنائيات بالنساء منسجمات الهويّة الجندرية “سيسجندر” تُأسس من رأيي لقمع جديد، فهي تتجاهل تماما معيش و خصوصية و معاناة العابرات اللاثنائيات وتفترض نظريًا أن يتواجد آليًا بين المرأة اللاثنائية العابرة والمرأة منسجمة الهوية نفس موازين القوى و الهيمنة التي وُجدت تقليديا بين المرأة والرجل منسجمي الهوية
يفترض أيضًا التسليم بهذا القول أو تبنّي هذه الحجّة بأن العابرات اللاثنائيات هنّ آليًا أكثر تمتّعًا بالامتيازات من النساء التطابقيّات، ويتناسى البعض من أتباع هذا القول أن انسجام الهوية الجندرية يشكّل بحد ذاته امتيازًا.إن العرض الجندري للنساء اللاثنائيات لا يرتكز قصرًا أو حصرًا على تعبير جندري أوحد لنقيّم من خلاله فقط درجة تمتع الأشخاص بالامتيازات، فتكون بذلك اللّحية إحدى مكونات وصفات جندرية عدّة تتراوح بين الأنوثة والذكورة، مما يجعل العرض الجندري اللاثنائي من أكثر العروض الجندرية تحديّا للمعيار و بالتالي من أكثر العروض الجندرية التي يُمارس على أساسها القمع و التمييز والعنف و الترانسفوبيا
إن جندرة الحديث عن الامتيازات من منظورٍ نسويّ تحتاج برأيي أكثر احتواءا أو اعترافا أكبر بالتجارب الجندرية المتنوعة لا سيما الجندريات الأكثر تهميشا، كما نحتاج مزيداً من العمق التقاطعي في مقاربتنا لسلّم الامتيازات وعلاقات الهيمنة والسلطة وموازين القوى القائمة بين الفئات الجندرية المختلفة مع مراعاة فردانية التجارب الجندرية وتفرّد كل تجربة جندرية شخصية بمعيش خاص متعدد الأوجه والأبعاد والطبقات وغير قابل للاختزال
_____________________________________________
خوخة ماكوير.. كاتبـ/ـة وعابر/ة غير منتميـ/ـة للثنائية الجندرية
الموديل في العمل الفني هو/ي الكاتبـ/ـة نفسهـ/ـا