ترانسات Transat

الجندر جندرنا

تجليات عابرة

الخاطئة الأكثر جاذبية

كتبت: نيكول سماحة

أُشعل أخر عود في علبة الكبريت لأحرق به جندري

كان كابوسا شبه حقيقيًا، استفقت منه أصرخ بلا صوت وبثياب مبللة من جسدي المتعرق، كان كابوسا مرعبًا بعد عدة أيام من المشاجرات مع عائلتي، لم أعد أعرف فيها من هم أو من أنا، ما الذي أفعله بينهم وما الذي جاء بي إليهم أو جاء بهم إليّ، لم أعد أعرف كيف أعيش إن كان عَلَيّ أن أعيش بعد ذلك، فمن الصعب أن تجد نفسك حاملًا لكل خطايا العالم، ذنوب لم تكن من صنعك ولا اختيارك، ذنوب ملتصقة بك لا تستطيع التخلص منها إلا عن طريق حرقها في الأحلام والكوابيس كـ”الجندر” مثلا

سمعت أمي يومًا تقول لأختي بأنه ربما يكون قد تلبسني “جن” جعلني أشعر وكأنني فتاة

الكثرة ابتعلت كل الملابسات والذنوب والخطايا وأصابع الاتهام الموجهة لي، وأصبحت أشعر بالشبع والاكتفاء، لم يعد هناك مكان لسكين أخر في كياني.. فأنا الآن عبارة عن جروح وندبات متحركة، لم يعد الجندر بمشكلته العويصة يساعني.. ولا جسدي قادر على احتوائي، أشعر بأن روحي تتضخم وقلبي يتقلص أريد الخروج من هذا السديم غير المفهوم

تحولت فجأة وبلا سابق إنذار إلى حجر.. لا النار تحرقني ولا الماء يحيني، أتلبس ثوب البلاده واللامبالاة، لا انتماء يحركني من ثباتي ولا أحساس يوقظني من هذا التبلد

أقف في منتصف غرفتي شبه المظلمة أنظر للمرآة وهي “تُعاكسني” لا “تعكسني”. أراني فيها أجمل ما في الوجود، أمرر فرشاتي المليئة بمسحوق التجميل المختص بتزويد أحمرار الوجنتين، أرفع عيناي نحو المرآة فأرى انعكاسي يتبدل ويظهر كأن المرآة تريد أن تقول لي: لا تكثري فتهينين جمالك، نعم أنا بحاجة للامبالاة والتبلد.. وبعضًا من الغرور كذلك، استخدمه كدرع يقيني كل قذائف التهم. والأن بعض من أحمر الشفاه وطلاء للأظافر سوف يفيان بالغرض، أرتدي فستان باللون السماوي المفضل لدي ترتسم عليه أزهار صغيرة باللون القرمزي الفاتح الجذاب، ثم أعود لأرى نفسي بالمرآة لأخر مرة، شعرت بأنني ارتفعت عن الأرض سنتيمترات قليلة ثم هبطت، لست أعرف هل فرحة أم الرهبة من الموقف القادم، أرسلت لنفسي قبلة عبر مرآتي ثم خرجت لهم بكامل انسجامي الثقيل عليهم، لا أريد أن أصف الموقف بعدها لأنني غير مبالية، إلا أني لا استطع نسيان اندهاشهم وتعجبهم مني، وتساؤلهم أن بعد كل هذا الانكسار الذي تسببوا لي به كيف أعود لأقف أمامهم أقوى من ذي قبل؟

فالتبلد صار هو جزيرتي التي حططت عليها ترحإلى بعد طول سفر بين أمواج تأنيب الضمير والخوف والحسابات الكثيرة التي كنت أضعها في مخيلتي قبل المبادرة بأي فعل يخص جندري وهويتي الحقيقية

وهكذا أصبحت أعلق أخطائي الملونة على جسدي فأزهو بها كشجرة الميلاد، نعم أنا المخطئة الأكثر جاذبية في العالم

أنا التي انتظرت الحقيقة أعوامًا وما جائت، أنا التي قلت هذا الجندر.. جندري، ونفيت عنه بجسدي، أنا من حملت الماء بكفين ترتجفان من البئر البعيد لأُطفّئ به كل حرائقي.. ها أنا الآن أُعلق أحزاني على كتفي وأدخل بها كغزالة تدخل غابة تعُج بالنمور وتمشي غير مكترثة، فتقع من عنقي الخيانات والذكريات والسخريات والشتائم فأدعسها بقدمي وأمضي نحو الحقيقة.. والغناء، أعلق لوحاتي التي تعبر عني فوق مرآتي.. فهي مثلي مزهوة بكيانها وخطيئتها بأنها لم تخبرني يومًا بغير الحقيقة

أخيرا، وفي حقيقة الأمر، لو بحثت عن أخطائي التي هي من صنع يداي فلا أستطيع عدها،  وأهمها أن كل تلك الأحجار التي رميت بها لم أشيد بها بيتًا.. ولم أضعها حاجزا بيني وبينهم.. ولا رصفتها جسرًا للعبور..
تلك الحجارة ردمتني
أنني الأن أصبحت تحت ردم
وأكتب هذه الكلمات من تحت ردم

____________________

نيكول سماحة… كاتبة وعابرة جنسيًا

تعليق واحد

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: