ترانسات Transat

الجندر جندرنا

قضايا وأخبار تجليات عابرة

قطعة من جسدي

كتبت: سوسو العلوي

في مخيلتي أنني عندما ولدت أن أول شيء وقع عليه نظر جميع من كانوا في قاعة الولادة هو ماذا يوجد بين فخديّ، إنها قطعة من جسمي تتدلى بين فخديّ، إنه ذكر، هكذا قال الكل، سيخرجون يبشرون الجميع أنه ذكر، إنها البشرى العظيمة بالنسبة للمجتمعات الأبوية، ذكر آخر من أجل الحفاظ على بقاء هذا النظام الأبوي، هذه القطعة الصغيرة من جسمي هي التي ستحدد لي اسمي، جندري، أدواري الاجتماعية، علاقتي، تعبيراتي، عواطفي، طريقة كلامي، طريقة لبسي، الموسيقى التي سأسمع، كيف عَلَيَّ أن أرقص وعلى ماذا أرقص، ومع من أرقص… كيف يجب أن يكون شكل جسدي، وكيف استعمله، ما هي هوايتي، ما هي لعبي، ومع من ألعب…كيف يجب أن تكون جنسانيتي، ومع من تكون، وكيف تكون، كل شيء محدد مسبقا بسبب هذه القطعة اللعينة من جسدي، محدد بحدود معينة، ومعايير مضبوطة لا يجب الخروج عنها، ، كم أكره هذه القطعة التي بناء عليها تحددت جميع مناحي حياتي، وبنيت اجتماعيًا داخل صناديق جاهزة ومعدة لي مسبقا.

 عندما  كبرت ووصلت إلى سن ما قبل البلوغ، بدأت أسمع من أقراني ومن يكبرونني سنا عن العلاقات الجنسية، وعن كيف يجب أن تكون: أنت لديك هذه القطعة بين فخديك إذن يجب عليك أن تمارس مع من لديهن القطعة المغايرة، هذا هو الطبيعي، وكل ما خالفه فهو شاذ، وغير مقبول اجتماعيا، سياسيا، قانونيا، دينيا، إنها آليات القمع الممنهج للنظام الأبوي، بدأت أتعرف على هذه القطعة التي يتمركز عليها كل شيء، أليست هذه القطعة التي كانت ومازلت تُعبد، لقد فُهِّمَ لي أنها المصدر الوحيد للذة الجنسية، وفيما بعد سوف تكون هي القطعة التي ستحرث القطعة الأخرى المغايرة حتى تننتج لنا من سيضمنون استمرار هذا النظام الأبوي، ويا لحبذا لو أنها تنتج لنا من لديهم تلك القطعة، فإنها المفضلة والمرغوب فيها، هذه هي وظيفتها الأساسية التي أعطتها هذه القدسية، كنت أكره هذه القواعد وهذه المعايير، ولا أفهم لماذا، حتى أصبحت أكره العلاقات المغايرة، لعله كرهي لتلك القطعة الملعونة، لعلها تعبيراتي اللتي ليست في توقعات المجتمع، فالكل أصبح ينظر إليّ على أنني “أنثوي” في تصرفاتي، “ياكما أنت زامل”، “ترجل” هكذا كان الجميع يخاطبني الكل أصبح شرطي الجندر، لا تتصرف هكذا، لا تتكلم هكذا، لا ترقص هكذا، لا تفعل لا تقل…، إما أن تكون موافقا لقوانين ورموز هذا النظام، وإنما أنت شاذ.

 عندها بدأت أحاول أن أتعرف على ما هو هذا الشذوذ الذي عُيِّنَ لي من جديد، وألصق بي، وفُهِّمَ إلي أنني أنتمي إليه، إنه صندوق جديد أٌحشرتٌ فيه، بقواعد وقوانين أخرى جاهزة ومحددة لي مسبقا، ولا يمكن الخروج عنها، إنه نظام قمع آخر، لا يختلف عن نظام القمع الغيري، يا إلهي ما هذه اللعنة التي تطاردني وتخرجني من صندوق لتدخلني إلى صندوق آخر، إنها لعنة هذه القطعة التي بين فخدي، إنها لعنة هذا النظام الأبوي، إنها لعنة نظام الانسجام الجندري، إنه النظام الثنائي في كل شيء، في الجنس، في الجندر، في الجنساية.

 بدأت تساؤلاتي حول هذا النظام، وبدأت قراءاتي، وبدأت آفاقي تتسع، وبدأت أفهم مكينزمات القمع في هذا النظام الموجه اتجاه كل التعدديات الجنسية، الجنسانية، والجندرية، يجب أن أتحرر من كل هذه الصناديق، يجب أن أتحرر من كل هذا القمع، يجب أن أتحرر من هذه الثنائية، ثنائية الجنس، ثنائية الجنسانية، ثنائية الجندر، يجب أن أتحرر من كل هذه النمطية، يجب أن أتحرر من هذه المعيارية، معيارية الأجساد، معيارية الجنس، معيارية الجنسانية، معيارية الجندر، أنا لست ذكرا ولا أنثى، أنا لست رجلا ولا إمرأة، أنا لست مغايرة ولا مثلية، أنا عابرة جندريا، عابرة بأدواري الاجتماعية، عابرة بجسدي، عابرة بتعبيراتي، عابرة بجنسانيتي، عابرة من النمطية إلى اللانمطية، عابرة من الثنائية إلى اللاثنائية، عابرة من المعيارية إلى اللامعيارية، عابرة من القمع إلى المقاومة، مقاومة نظام الثنائية، مقاومة نظام الانسجام الجندري، مقاومة النظام الأبوي الغيري، مقاومة النظام المعيارية، مقاومة كل أشكال إعادة إنتاج نفس النمطية والمعيارية، مقاومة بدوري الاجتماعي، بتعبيراتي، بجسدي، بجنسانيتي، بجندري، بوجودي وظهوري.

 لقد اخترت المقاومة لأنني صرت لا أؤمن بالتغيير، إن مفهوم التغيير هو من صنع هذا النظام الممنهج للقمع، إنه مفهوم يقصد به التغيير من شيء إلى شيء آخر، بمعنى آخر وأصح من نظام قمع إلى نظام قمع آخر، من نمطية إلى نمطية أخرى، من معيارية إلى معيارية أخرى، إنه مفهوم يخفي ويلغي المقاوامات الوجودية واليومية للمعنياتين، يكرس مفهوم المنقذ/المنقذة، الوصي/الوصية، يصنع الوجوه المعروفة، يصنع الأبطال والبطلات الخرافياتين، الغير المعنياتين، وفي بعض الأحيان معنياتين، لكنهم من صنع هذا النظام، وحراسه، يعملون على استمراره وبقائه.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سوسو العلوي: كاتبة عابرة جندريًا

الصورة من فيلم: امرأة رائعة

تعليق واحد

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: