التركيب التشريحي لا يحدد الهوية الجندرية
ترجمة: آيفي ناصر
تحرير: أمينة محمد
إن القول بأن الهوية الجندرية تُحدد قطعاً بواسطة الأعضاء التناسلية هي فكرة مبنية على نظرية مُخلة هجرها الأطباء والعلماء منذ زمن بعيد ولم يعد لها أي أهمية أو معنى.
يقول الباحثون الذين قاموا بدراسة الجندر وتوفير الخدمات الصحية للأشخاص الذين لا يمتثلون للمعايير النمطية (ذكر وأنثى) أن خطة إدارة الرئيس الأمريكي ترامب الأخيرة ﻹعادة تعريف الجندر تتجاهل المعرفة العلمية الحالية تماماً.
يقول د.جوشوا سافر، طبيب الغدد الصماء والمدير التنفيذي للمركز الطبي والجراحي للترانسجندر في مجموعة ماونت سايناي الصحية في مدينة نيويورك، ورئيس اﻻتحاد اﻷمريكي لصحة الترانسجندر “فكرة أن جنس المرء يحدد عن طريق التركيب التشريحي وقت الولادة خاطئة، ونحن نعلم هذا منذ عقود”.
لكن ما الذي يحدد الهوية الجندرية؟؟ هل هو اﻻحساس الراسخ النابع من الداخل؟؟ هذا ليس واضحاً تماماً.
“نحن نعلم أن هناك أساس بيولوجي مهم للهوية الجندرية”، يقول د.سافر. “ما لا نعلمه هو كل العوامل المؤثرة التي يمكن تفسير الهوية الجندرية عن طريقها، ما نفهمه في 2018 كمجتمع طبي أنها ذات جذور بيولوجية، وأنها ليست هرمونية تماماً، ولم نحدد لها جينات حتى الآن، فليس باستطاعتنا الزعم بأنها جينية بالكامل”.
هل الجينات عامل؟
في الواقع، الجينات لها دور بالفعل، ففي دراسات تمت على التوائم، إن كان أحدهم/ن ترانس فاحتمالية كون الآخر/الأخرى ترانس أيضاً كبيرة إن كانوا متطابقين. التوائم المتطابقين، متشابهين جينياً جداً، أما المختلفين فليسوا كذلك. هذه النتائج مشابهة لنتائج الدراسات التي تمت علي توائم لديهم سكري من نوع النمط الأول، المرتبط بعنصر جيني بصورة قوية.
إقتراح إدارة ترامب الأخير المقدم في مذكرة موجزة من قسم الصحة والخدمات الإنسانية، يهدف إلى إقرار تعريف قانوني للجنس تحت المادة التاسعة (القانون الفيدرالي للحقوق المدنية) الذي يحظر الإضطهاد بناءً علي الهوية الجندرية في البرامج الدراسية التي تتلقى الدعم الحكومي. هذا التغيير سيقوم بإلغاء إجراءات الحماية التي توفرت للأشخاص الترانس تحت إدارة الرئيس السابق أوباما.
اقتراح الوكالة الأخير يعرف الهوية الجندرية عن طريق الأعضاء التناسلية التي ولد بها الأشخاص، وهذا وفقاً لمسودة أولية نشرت عن طريق النيويورك تايمز. أياً كان ما كتب على شهادة الميلاد، فهو ما يحدد الهوية الجندرية. “إلا إذا تم دحض هذا بدليل جيني مثبت” .. وفقاً للمسودة.
ولكن، ما الذي يمكن إعتباره “دليل جيني مثبت”؟ قد يكون من الصعب إيجاده.
يقول د. سافر “نحن لا ندرك جميع الجينات المؤثرة طبياً” “لم نبلغ درجة المعرفة المتطورة التي تمكننا من فهم جميع العمليات الحيوية الطبية، وليس فقط تلك المتعلقة بالجنس”
إذاً كيف بإمكاننا تحديد الهوية؟
يقول الباحثون أن الهوية الجندرية مصدرها العقل، لا الجسم، ويقول البعض ببساطة أكثر “الهوية الجندرية مصدرها بين أذنيك لا بين فخذيك”. لكن القوى التي تؤثر على الدماغ وتحدد الهوية الجندرية ليست مفهومة بعد، والفروق التركيبية أو الكيميائية في الدماغ التي يمكن أن يكون لها علاقة بالجندر لم تحدد بدقة بعد.
لا أحد يعلم بدقة لما لا يتلاءم العقل والجسد أحياناً، لكن كون المرء ترانس ليس اختياراً، يقول د.سافر، ليست موضة، وليست أهواء. بالنسبة للأشخاص العابرين جندرياً هو شعور غالب بأن هويتهم الجندرية ليست مماثلة لما كتب في شهادة الميلاد، والهوية الجندرية لا تتعلق بمن يشعرون بالانجذاب تجاهه، بل تتعلق بكيانهم، بمن يكونوا.
الانزعاج حول عدم توافق العقل والجسد، من الممكن أن يصبح حاداً جداً في فترة البلوغ، وخطر الانتحار يرتفع بشدة للأشخاص صغار السن في هذا الوضع. الطب السائد بدأ يدرك مدى خطورة هذه المشكلة: في الشهر الماضي أصدرت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بيانها الأول بخصوص الرعاية الطبية للأطفال والمراهقين العابرين جندرياً، وأولئك من متنوعي التعبير الجندري ولا ثنائيي الجندر (الذين يعرفون أنفسهم/ن خارج الثنائية الجندرية: ذكر/أنثى)
البيان حث علي تبني “منهج داعم” يحترم ويدعم الأطفال، حتي الصغار جداً منهم في تعبيرهم الجندري. ولاحظت اﻷكاديمية أيضاً وجود نسب مرتفعة للاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل واستخدام المواد المسببة للإدمان وإيذاء النفس والانتحار في الأشخاص الترانس اليافعين.
في السنة الماضية، قامت جمعية طب الغدد الصماء، بإصدار معايير رعاية للأشخاص العابرين جندرياً وذكروا أن الهوية الجندرية لها أساس بيولوجي، وحثوا جهات التأمين الصحي الفيدرالية والخاصة منها، بتغطية التكاليف الطبية الخاصة بالهوية الجندرية للأشخاص الترانس.
ليس الأمر ببساطة X و Y
بجانب مشاكل العابرين جندرياً، هناك حالات طبية أخري تؤكد أن تعريف الذكر والأنثى ليس بتلك البساطة، فمثلاً، هنالك أشخاص بكروموسومات XY، وذلك يجعلهم ذكور “جينياً”، ولكنهم يبدون ويتصرفون ويشعرون كنساء لأن أجسادهم لا تستجيب للهرمونات الذكرية.
في حالات أخرى، بعض الأشخاص، إناث بيولوجياً، لديهم حالة طبية، تعرضوا من خلالها لنسب مرتفعة من هرمون التستوستيرون قبل الولادة، والذين يقومون بالتعريف عن نفسهم كرجال، ولكن آخرين بنفس الحالة الطبية لا يفعلون.
بعض من أبرز الأدلة لبيولوجية الهوية الجندرية، تأتي من تقارير طبية عن أشخاص ولدوا في الخمسينيات والستينيات بعيوب ولادية تتضمن الأعضاء التناسلية، ظن الأطباء أن الحل الإنساني ليجنبوا أولئك الأطفال النبذ هو إخضاعهم لعمليات تغيير الجنس.
وبما أن تشكيل المهبل أسهل من تشكيل القضيب بالنسبة للأطباء، تم تحويل معظم أولئك الأطفال لفتيات، ونُصح الوالدان بتنشئتهم كفتيات و إخفاء الحقيقة عنهم/ن. كان الاعتقاد السائد آنذاك هو غلبة التنشئة على الطبيعة.
تلك الفكرة باءت بالفشل، فمع نضجهم أعرب كثير منهم عن شعورهم بأنهم ذكور، طبقاً لدراسة تمت علي 16 منهم/ن، انتهى الأمر بتعريف أكثر من النصف عن أنفسهم كذكور.
“في الحقيقة يمكنك تزييف كل شيء للبعض، لكن الفشل مع هذا العدد كارثي” يقول د. سافر.
ومن بين كل الأدلة الموجودة حول الهوية الجندرية، يقول د.سافر موجهاً خطابه للخبراء، نجد أن الدراسات حول هذه الحاﻻت، تُقدم أقوى دليل لبيولوجية الجندر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
آيفي ناصر: مترجمة عابرة جندريًا