احتمال الوحدة
كتبـ/ـت: غفران بن خليفة
-متى بدأت تعانين الوحدة؟
-أنا لا أعاني الوحدة
-عائلتك أوردت أنك لم تخالطي البشر منذ سنتين كاملتين، و بالكاد تخاطبين أي فرد منهم..
-أجل
-حسنًا ..ما سبب ذلك..؟
-ما سبب ماذا؟
-سبب هذ الانعزال
-ما سبب عدم انعزالك أنت عن الناس ؟
-معذرة ، نحن هنا للحديث عنك لا عني
-أنا أتيت هنا جبرًا..هذا يجعلنا متعادلين
-للأسف أنت بحاجة إلى طبيب نفسي وإن كنت لا تريدين ذلك..
-أنا لا أحتاج شيئًا..لذلك أوتي بي هنا..
-ماذا تقصدين بذلك
-أعتقد أنك تعلم ما أقصد..على كل حال إنها خطوة أنيقة لاستدراج تحليلي
-هه..حسنًا لنعد المحاولة إذن..مالذي..
-(مقاطعة) ما سبب عدم انعزالك عن الناس؟
-من فضلك أنا…
-(مقاطعة) حسنا أيها الطبيب سأجيب أنا بدلا منك.. ببساطة أنت عاجز عن احتمال الوحدة…
-هه…حسنًا سانتقي منحى مغايرا لما اعتدت منهجًا.. فإني لا أظنك سوف ترضخين للمنهج العادي
والرضوخ ..أساس علم النفسي..
-حسنًا كلانا إذن سيرضخ..سأبدأ أولًا ..ببساطة أنا لا أنعزل ليس خوفًا من الوحدة إنما رغبة في الاجتماع
-نفس اللحن الرتيب لابن خلدون
-هو على حق ,فالانسان مدني بالطبع
-الوعي البشري أكثر تعقيدًا من أن يصنف كقطع بسكويت داخل علبة كرتونية واحدة
-إن نسبية الترتيب تجعله قابلا لذلك.. التواصل مع الآخر أمر نسبي محكوم بمعايير مختلفة.. لكنك اخترت أدناها وهو العدم .. لماذا؟
-على غرار الأغلبية التي تمقت الأقلية.. أجد في العزلة سلامًا يعكره الامتزاج.. العزلة مسكني..
-ما الذي دفع بك الى العزلة؟
-معذرة لكن سؤالك يشوبه الخلل.. هو بالاحرى منحى يائس لانتزاع حقيقة منقوصة مبنية عن تكهن سابق.. لكن لتفادى النقاش العدمي المكرر. بكل بساطة أنا مختلف
-ألسنا جميعًا؟
-مختلفين.. نعم مختلفين فريدين بنوعنا المتأصل بمصحة الآلهة العقلية و بصمة الطبيعة المطبوعة بكربونها البيولوجي المعقد التركيب التافه الفكر مما يجعلنا متخلفين أكثر من كوننا مختلفين لكن كما سبق و ذكرت يا سيدي فإن نسبية الترتيب تجعل من الاختلاف مقياسًا محكومًا بمعايير مختلفة..أليس كذلك؟
-نعم..حسنًا (ينظر الى دفتر الملاحظات ،محاولة غبية لاخفاء ارتباك واضح) قلت أنك مختلفة…كيف؟
-بحق السماء.. معذرة.. حسنًا لن أستطيع و إن كُنتَ قادرًا على كشف كيفية عمل الوصلات النورونية في دماغي، عن شرح ما تحدثه تلك الشبكة العصبية من أفكار تؤرقني، لكنني سأبسط الأمر بقالب المظهر الغريب الشاذ حسب شهادة ما تبصره الأعين المعتلة: فتاة؛ شعر صبياني قصير، صدر مصطَّح غائب الحضور، شاركته الغياب عن مدرسة القيود السطحية و السلوكية مساحيق التجميل أو التقبيح، .ملابس تصنف وفق سوق السماء و معبد الموضة المقدسة كذكورية، سلوك قوي الحضور ومستقل الشخصية.. إذن مذكر.
أحسب أنك يا سيدي قد فهمت الفكرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غفران بن خليفة: كاتبـ/ـة وفنانـ/ـة تشكيليـ/ـة لا ثنائيـ/ـة الجندر
اللوحة من أعمال الكاتبـ/ـة