ترانسات Transat

الجندر جندرنا

قضايا وأخبار

بي بي سي عربي تستخدم خطاب تحريضي ضد المجتمع الكويري

كتبت: نيكول سماحة

تحرير: مهى محمد

 

شئ ما لا يريد أن  ينتهي، أو لا يريدونه هم أن ينتهي، وكأن معاناة المجتع الكويري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحتمل موجات أخرى من التحريض الإعلامي. الجميع يعلم الموقف الإعلامي المحلي من قضايا العبور الجنسي، والمثلية الجنسية، حيث أصبح ذلك مادة إعلامية دسمة تجلب المشاهدات وتثير الرأي العام، حتى أصبحت هذه الطريقة تستخدم من قبل القنوات أو  مقدمي البرامج لاسترضاء المجتمع المليء بالترانسفوبيا والهوموفوبيا العلنية، فمع كل خبر يخص المجتمع الكويري يظهر علينا مقدم أو مقدمة برامج ليشاركوا في هذا “العرس” التحريضي، ومن بعد ذلك يستمتعون بالتصفيق الحار والتشجعيات الملقاة عليهم من قبل المشاهدين إن كان من خلال مواقعهم أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ضاربين عرض الحائط بأهمية حياة الملايين من المجتمع الكويري دون أي مهنية إعلامية أو حتى ضمير إنساني .

وبسبب كثرة تلك الممارسات اللا مهنية واللا أخلاقية واللا إنسانية أصبحنا جميعاً لا نتفاجئ عندما نرى إحدى الوسائل الاعلامية المحلية تقوم بنشر خطابات كراهية ضد المجتمع الكويري. لكن ماحدث مؤخراً كان أغرب، وهو انخراط قناة “بي بي سي عربي” في السباق التحريضي ضد العابرين/ات وضد المثليين/ات أيضاً، من خلال عناوين تم استخدام  فيها كلمات مهينة وعنصرية وتحريضية ضد العابرين/ات والمثليين/ات، عناوين تساعد على تطبيع وتثبيت بعض الافكار المغلوطة التي أخذت وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً من قبل أفراد المجتمع الكويري في محاولة تصحيحها، والجميع يعرف أن قناة بي بي سي عربية هي من أهم وأكبر المحطات الإخبارية في المنطقة، ولها تأثير مهم على شرائح واسعة من شعوب المنطقة. الغريب أن هذه الممارسة غير المسبوقة جائت من قبل محطة تتغنى بأنها محطة تحترم الاختلاف وتعمل ضد التمييز العنصري بجميع أشكاله . فخلال مدة قصيرة تم نشر عنوانين تحريضيين أولهم كان عندما أعلنت فنانة المكياج الشهيرة “نيكي دي جاجر” أنها أمراة عابرة جنسياٌ، حيث تم نشر الخبر من قبل القناة من خلال صفحتهم الرسمية على فيسبوك بكتابة عنوان استفزازي تحريضي ضد العابرات جنسياً يقول ” نجمة المكياج نيكي دي جاجر تكشف انها كانت ذكراً ”  !!، بغض النظر عن أن عنوان كهذا هو أشبه بعناوين “الصحف الصفراء” التي تكتب في العناويين كلمات لا تمت للخبر المراد سرده بصلة، بل عناوين مثيرة استفزازية فقط لجلب القارء واجباره على الضغط على الرابط وقراءة المقال، إلا أن هذا العنوان يكرس لاضطهاد العابرات جنسياً عن طريق تكريسه لفكرة مغلوطة عانينا جميعا من تكريسها، وعملنا طويلاً بشكل مكثف في سبيل تصحيحها هي وأفكار أخرى كثيرة مغلوطة حولنا، ناهيك عن أن وصف امرأة عابرة بوصف كهذا هو وصف مؤذي، يندرج تحت بند الترانسفوبيا أو رهاب العبور الجندري وهي أحد أشكال العنصرية، وقد تتم محاسبة الشخص الذي كتب هذا العنوان لو أن هذا العنوان كان بلغة أخرى غير العربية، لكن يبدو أن “بي بي سي عربي” قد استغلت تمييزية القوانين في منطقتنا، ومواقف دولنا من المجتمع الكويري ليأخذوا اريحيتهم في نشر خطابات كراهية وعنصرية .

83555017_777162102767881_7771727563876990976_n

وبعد هذا الخبر بفترة ليست بالطويلة (ربما لم تتخطى الأسبوع) ، قامت نفس المحطة “محطة بي بي سي عربي” مجدداً بنشر عنوان عنصري تحريضي جديد ولكن هذه المرة موجه ضد  المثليين (أو ربما كن عابرات فالإعلام في المنطقة غالباً لا يعرف الفرق، ولا يهتم بأن يعرف) وذلك من خلال قناتهم الرسمية على يوتيوب، وأيضاً من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد أن قامت السلطات الموريتانية بإلقاء القبض على مجموعة بتهمة المثلية الجنسية بعدا انتشار فيديو لهم وهم يحتفلون، حيث قامت قناة “بي بي سي عربي” بنشر فيديو بعنوان “موريتانيا تقبض على ( مخنثين ) بحفل عيد ميلاد في نواكشوط “! في الحقيقة صدمتي الشخصية بعنوان كهذا لم تقل عن صدمتي بعنوانهم الأول، لكن عند هذا العنوان لا أعرف من أين ابدأ الحديث! سأبدأ أولاً بأنه  تم وضع كلمة “مخنثيين” التي تعتبر عنصرية وتعتبر سبة مهينة تطلق على أفراد المجتمع الكويري لإهانتهم ! 

ثانيا هنالك مغالطة شنيعة  في العنوان، والتي لا يمكن أن يقع فيها إلا شخص جاهل تماما بما يخص المجتمع الكويري، أو شخص عنصري لديه منصة لضخ عنصريته على العالم.  وهي إطلاق كلمة “مخنثيين” لوصف المثليين جنسياً، حسناً، إن قمنا بتجريد كلمة “مخنثيين” من الصفات المهينة التي ألصقت فيها من قبل المجتمع، وأخذت الكلمة ككلمة عربية من قاموس عربي، فكلمة مخنثيين في اللغة العربية تطلق على الأشخاص الذين يولدون بصفات جنسية بينية، ويستخدم الآن مصطلح بيني/ة الجنس بدلاً عنها أو انترسيكس بالانجليزية، وهؤلاء هم أشخاص لا يمكن وصفهم على أنهم مثليين أو العكس، فهما أمران مختلفان كل الاختلاف، ولكل شخص بيني الجنس هوية وميول جنسية خاصة. وأنه لمن الجهل أن يتم دمج وصفين ليس لهما أي علاقة ببعضهما بوصف واحد،  خاصة أن معلومات كهذه أصبحت تدرس للأطفال في الكثير من دول العالم، عداغير أنها متوفرة وبكثرة وبمصادر رسمية عديدة على شبكة الإنترنت ومن السهل جدا الوصول اليها . ومن المهين أن أقوم بشرح شيء كهذا لصحفيين يعملون في إحدى أكبر محطات الإعلام في العالم .

ثالثاً: أن وضع المجتمع الكويري في موريتانيا بشكل خاص لا يحتمل التحريض أبداً، ووضع الأشخاص الذين تم اعتقالهم بتهمة المثلية الجنسية هو وضع محرج للغاية في ظل صمت المنظمات المعنية المحلية والعالمية، ولأن موريتانيا تعتبر من الدول التي تجرم المثلية بعقوبات قاسية قد تصل الى الإعدام، وأيضاً فإن الاشخاص المعتقلين يواجهون تحريض مجتمعي هائل غير مسبوق وخصوصاً بعد أن قامت الشرطة الموريتانية بتصوير الأفراد المقبوض عليهم ونشر صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي مع اسمائهم الثلاثية وعناوينهم وذلك لالحاق اكبر ضرر نفسي بالمعتقليين وعائلاتهم، لتأتي أخيراً وبعد كل هذا قناة “بي بي سي عربي” وبكل ما لديهم من لا مهنية صحفية ولا إنسانية فيقوموا بنشر مقطع فيديو يحمل عنوان تحريضي كهذا على قناة يوتيوب لمحطة إعلامية كبيرة لديها أكثر من أربعة ملايين مشترك متجاهلين تماماً معناة الأفراد المقبوض عليهم، وما يمكن أن يتسبب فيه عنوان فيديو كهذا من ضرر عليهم .!! 

 

 

وأخيرا فإن ما دفعنا لكتابة هذا المقال هو تصوير محطة “بي بي سي” لنفسها عالمياً بأنها محطة محايدة تنبذ العنصرية والتميز وخطابات الكراهية في محتواها، ولا نعرف إن كان النقد سيفيد حتما أم لا، لكن ما نعرفه حقاً أن الصحافة تعاني من أزمة جهل وعنصرية  صعبة،  “وبي بي سي عربي” خاصة يجب ان يتقبلوا حقيقة أنهم محتاجون للكثير من التثقيف حول طرق إثراء محتوى خالي من الجهل والعنصرية والتحريض والكراهية وأن يعرفوا كيف ينتقوا العاملين لديهم أو على الأقل يتم تدريبهم مهنياً قبل أن يقوموا بنشر أي شيء عن أي موضوع حساس بالنسبة لأي فئة من الفئات المضطهدة، لأن العنصرية وخطابات الكراهية والتحريض  ليست بالأخطاء البسيطة التي يمكن تداركها، بل أحياناً ما تكون قاتلة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نيكول سماحة: كاتبة عابرة جندرياً

ملحوظة: لقد قصدنا اختيار عنوان المقال بنفس الطريقة التي تختار بها بي بي سي عربي عناوينها

For English

 

  

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: