ترانسات Transat

الجندر جندرنا

تقارير وترجمات تاريخ الترانس

التعددية الجندرية التي قضى عليها الاستعمار الأوروبي

قبل أن يجتاح الأوربيون شمال أمريكا ليزرعوا فكرة الأدوار الجندرية النمطية المطبقة حتى الآن، لم يتبع سكان المنطقة آنذاك نمطاً معيناً لدور الذكور والإناث على حدى. فبالنسبة لسكان أمريكا الأصليين، لم يكن هنالك أي قوانين تحدد أدوار الفرد بناءً على جنسه لأجل أن يكون ”طبيعياً“ بين قبيلته.

في الواقع، كان هؤلاء الأفراد الذين يمتلكون شخصية ذكورية وأنثوية في الوقت عينه يعتبرون في محيطهم موهوبين طبيعياً، ولذلك يملكون القدرة الخاصة على رؤية الأمور من منظورين مختلفين. وبناءً على معطيات الهند اليوم، فإن كافة المجتمعات الأصلية عرفت ٥ أنماط من الأدوار الجندرية: الأنثى، الذكر، الأنثى ذات الروحين، الذكر ذو الروحين والعابرين/ات جنسياً.

”امتلكت كل قبيلة صيغة معينة خاصة بها فيما يتعلق بالأمور الجندرية، إلّا أنه كان لابد من وجود صيغة عامة عالمية يمكن لمجمل الشعب فهمها بطريقة واضحة.“

تشير قبائل النفاجو التي كانت تعيش في المنطقة مابين أريزونا ونيو ميكسيكو حالياً إلى مفهوم ”الروحين“ بدلالة (ناديلهي) وتعني الفرد الذي تحول، بينما دعي المفهوم لدى قبائل لاتوكا التي تموضعت في ما يعرف داكوتا حالياً، باسم (وينكتيه) وتعني الذكر الذي يتصرف قهرياً كالإناث. كما لقّب من يمتلك مفهوم الروحين بلقب (نيزيه مانيدواغ) لدى قبائل أوجيبويه، و(هيمانيه) التي تعني نصف ذكر ونصف أنثى، لدى قبائل شايان التي سكنت مابين نهري ميسوري وأركانساس في ولاية أوكلاهوما حالياً.

92133b3a3292f05e1e1fc376a4f75ab7

وقد أتي مفهوم ”الروحين“ لإيجاد صيغة عالمية تعبر عن جندر يمتلك صفات وتصرفات ذكرية وأنثوية في الوقت عينه باللغة الإنكليزية، ليكون مفهوماً على نطاق عالمي بشكل كافٍ، رغم أن الكلمة الأساسية يصعب ترجمتها إلى باقي اللغات بشكل صحيح وواضح.

وتعد ثقافة ”الروحين“ لدى شعوب أمريكا الأصليين أولى الأشياء التي عمل الأوروبيون على تدميرها وتغليفها بإطار جندري. فبالنسبة للسكان من أمثال الفنان الأميريكي جورج كاتلين، كان على تقليد ”الروحين“ أن يباد بشكل كامل قبل أن يدخل كتب التاريخ.

لكن الأمر لم يقتصر فقط على الأوروبيين من البشرة البيضاء في محاولة تخبئة كافة آثار اختلاف مفاهيم الجندرية لدى الشعوب الأصلية. فبناءً على ما ورد في مجلة ”الهند اليوم“ قام الكهنة والرهبان الإسبان الكاثولوكيون بتدمير كافة مخطوطات شعوب الأزتيك لمحي تقاليدهم وتاريخهم، من ضمنهم تقليد ”الروحين“.

ونتيجة للجهود التي بذلها المسيحيون في محي تاريخ وتقاليد الشعوب الأصليين، تحتم على سكان أمريكا الأصليين أن يرتدوا ويتصرفوا وفقاً للأدوار الجندرية الجديدة التي وضعها الأوروبيون.

لعلّ أشهر من كانوا من ذوي الروحين هو محاربـ/ـة في من شعوب لاكوتا ملقبـ/ـة بـ”يـ/تجدهم ويـ/تقتلهم“. وُلد/ـت أوش-تيش كرجل وتزوجـ/ـت من امرأة، إلّا أنّهـ/ـا كانـ/ـت يـ/تفضل ارتداء ملابس وحلي النساء، وقد عاشـ/ـت حياتهـ/ـا اليومية كأنثى.

بتاريخ 17 حزيران/يونيو من عام 1876، اكتسبـ/ـت ”يـ/تجدهم ويـ/ـتقتلهم“ لقبهـ/ـا عندما قامـ/ـت بإنقاذ حياة أحد رجال قبيلتهـ/ـا خلال معركة روزبود كريك، الأمر الذي اعتبر عملاً شجاعاً لا يشوبه الخوف.

12564-2
أوش-تيش (يمينًا) وزوجته/ـا (يسارًا)

ففي مجتمعات أمريكا الأصلية، كان الناس يقيَّمون وفقاً لمشاركتهم وأعمالهم في القبيلة، أكثر من تصنيفهم وفقاً لذكوريتهم وأنوثتهم كما يتم حالياً.

كما لم يفرض الآباء على أبنائهم أي أدوار محددة مرتبطة بجندر معين، حتى أن ملابس الأطفال كانت حيادية ولا تميل لإظهار أي جندر. لم يكن هنالك أي أفكار ومثاليات مفروضة حول ما يجدر على الأشخاص ممارسته، فكان الأمر تصرفاً طبيعياً يحدث دون أحكام مجتمعية أو تردد شخصي.

إضافة إلى عدم وجود وصمة عار تلاحق من هم من ذوي الروحين، لم يكن هنالك أي حوادث انتقام أو عنف تجاه الأشخاص المختارين بناء على هويتهم الجندرية المختلفة أو كونهم يحملون صفات الجندرين في الآن عينه.

لكن الأديان ما لبثت أن حملت عبر تعاليمها تحيّزاً كبيراً ضد التعددية الجندرية، مما فرض على هؤلاء من ذوي الروحين والمغايرين جندرياً والمصححين جنسياً خيارين فقط، إمّا العيش مختبئين خوفاً على حياتهم من أن يكشفوا أمام المتدينين ليواجهوا مصيراً مأساوياً، أو إنهاء حياتهم. وكثيرون من لجؤوا إلي الخيار الثاني.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلًا عن موقع “دخلك بتعرف”

اترك رد

%d